عمال في مهن خطرة العمل علي حافة الموت

يخلو مصطلح "مخاطر المهنة" من رومانسية تجعله موضوعا -مستحبا- لخطابات المناسبات العمالية المختلفة. حيث يقف من يمتلئ صحة وحيوية ليتحدث بفخر عن أبطالنا - مش عمالنا- الذين يركبون الصعب ويتحدون المخاطر من أجل صناعة بلدنا، ولو أنصف هذا المتحدث.. لتحدث عن أنواع هذه المخاطر، وأخبرنا عن مجهودات الدولة في حماية من قال إنهم أبطالها. التسمم بالرصاص والزرنيخ والفسفور والكبريت والتأثر بالكروم وما ينشأ عنه من قرح ومضاعفات..التسمم بالزئبق والمركبات الآزوتية..التسمم بأول أوكسيد الكربون.. التسمم
بالكلوروفورم وسرطان الجلد.. مرض الدرن وأمراض الحميات المعدية. مجرد أمثلة علي "المخاطر" التي يتعرض لها "الأبطال"، والتي بالمناسبة لا تفعل الدولة شيئا لحمايتهم منها.
تفتح «البديل» ملف المهن الخطرة في مصر، التي يتعرض العاملون فيها إلي أخطار صحية تستنفد حياتهم وأعمارهم يوما بعد يوم، دون أن يتحرك السادة في الأعالي. الوجيعة تستحق ما هو أكثر من الرصد والمتابعة والكتابة.. لأننا ببساطة حيال قضية «حياة أو موت».. أو بالأحري هي قضية «موت».

يطارد عمالها تآكل العظام والضعف الجنسي والصمم وتلف خلايا الرئة وتشوه العمود الفقري
الصناعات المعدنية.. المرض «بين المطرقة والسندان»
تحقيق: أسماء الغنيمي
"هناك أكثر من 12% من إجمالي عدد عمال المصنع، البالغين 500 عامل، يعانون من أمراض صدرية والتسمم بالرصاص نتيجة استخدام هذه المادة بنسب كبيرة جدا تتجاوز 60% و70% في حين أن هذه النسب لا يجب أن تزيد علي 20%".. هكذا أوضح محمد علي عيسي رئيس اللجنة النقابية بشركة كلورايد للبطاريات.
هذا جزء من أهم الأمراض التي تصيب العمال العاملين في مجال الصناعات الهندسية والمعدنية كتآكل العظام والتسمم بالرصاص وتليف الكبد وتلف خلايا الرئة والتحجر الرئوي والرمد. لم ترحم هذه الأمراض العاملين في عدة مجالات صناعية.
فوفقا لإبراهيم علي أحمد، رئيس اللجنة النقابية بالسبائك الحديدية يتصدر التحجر الرئوي قائمة الأمراض التي يعاني منها عمال بشركة السبائك، حيث يعاني من هذا المرض أكثر من 70% من إجمالي عدد العمال البالغ 1314 عاملاً.. حتي الإداريون أنفسهم العديد لاحقتهم أعراض المرض.
وأضاف أن هذا الكم الهائل لا ترجع أسبابه إلي القصور في نواحي الأمن الصناعي المتمثلة في فلاتر تنقية الهواء أو الكمامات والبيادات والخوذ فقط بل أيضا في انعدام الثقافة الصحية لدي العامل وعدم استخدامه لها علي الرغم من وجودها في بعض الأقسام فالعامل دائما ما يكون متكاسلاً في استخدام الكمامات والخوذات بحجة أنها تخنقه.
ويعاني عمال شركة النصر للمسبوكات كما يؤكد ماهر عدس، رئيس اللجنة النقابيةبالشركة من أمراض متعددة أيضا نتيجة رفع الأثقال الكبيرة بينما يتعرض العاملون بقسم الدهانيك لبعض المواد الكيميائية مثل مادتي الكاتليست والبوتامين اللتين تسببان الربو وحساسية الصدر.
يضيف عدس: هناك أكثر من 60عامل من إجمالي 1500مصابين بهذه الأمراض وللأسف فإن معظم وسائل السلامة والصحة المهنية معطلة في المصنع ولا يتم إصلاحها.
ومن النصر للمسبوكات للنصر للمطروقات، يؤكد محمد ذكري رئيس اللجنة النقابية أن عمال المطروقات يقعون بين مطرقة الأقسام الخطيرة في الشركة والتي تستخدم مواد كاوية وأحماضاً مختلفة توضع فيها المنتجات للتنظيف من الطرق تؤدي إلي أمراض خطيرة وبين سندان شركة الكوك المجاورة لها والتي تقوم بانتاج أنواع عديدة من الفحم والأسمدة ويخرج منها أتربة وذرات تصيب العمال بأمراض الجهاز التنفسي والسرطان.
وأضاف: هناك أكثر من 10%من عمال المصنع مصابون بهذه الأمراض من إجمالي 900 عامل.
وعلي جانب، آخر وفيما يخص عمال الحديد والصلب والألومنيوم، يؤكد الدكتور هشام محمد عزيز، أستاذ استشاري الأمراض المهنية بالمركز القومي للبحوث: أن هناك العديد من الأمراض التي تصيب العاملين بصناعة الحديد والصلب سواء الإداريين أو العمال الذين يقومون باستخراجه من المناجم أو داخل المصانع أنفسها وعددهم كبير جدا يصل في منطقة حلوان فقط إلي 14 ألفاً.
ومن أهم هذه الآثار الصحية الأمراض الصدرية الناتجة عن تعرضهم لبعض المواد الكيميائية مثل فحم الكوك والحجر الجيري وهما من مدخلات الصناعة وهناك أيضا الصمم الذي غالبا مايأتي نتيجة تعرضهم للضوضاء التي تتعدي أكثر من 90 ديسيبل ولمدة تزيد علي 8 ساعات في اليوم وأيضا المياه البيضاء الناتجة عن الوهج الحراري ،فضلا عن درجة الحرارة المرتفعة، بخلاف أمراض الظهر التي تصيب أكثر من 44% من عمال الحديد والصلب بسبب الأحمال الثقيلة والحركات والانثناءات الخاطئة.
صناعة الألومنيوم أيضا تعتبر من الصناعات الخطيرة وجميع العمال الموجودين بها يتعرضون لمخاطر متعددة حيث يؤكد أنور رسلان رئيس اللجنة النقابية بشركة السعدي للألومنيوم أن هناك العديد من الأقسام تختلف درجة الإصابة فيها حسب المواد المستخدمة فيه ومنها قسم المسبك الذي دائما مايصاب فيه العمال بأمراض التحجر الرئوي نتيجة استخدام مواد كيميائية وحرارية مثل الكوفرال وهي عبارة عن بودرة توضع علي المعدن لإزالة الجلخ وأيضا استخدام الشحومات ومادتي الماغنسيوم والسليكون اللتين لهما نفس تأثير الاسبستوس القاتل ولكن بدرجة أقل.
وهناك أيضا قسم المعاملات السطحية ويتعرض فيه العمال لأمراض خاصة بالجهاز التنفسي والصدر نتيجة تعرضهم للأبخرة المتصاعدة من التفاعل الكيميائي بين الألومنيوم وبعض المواد الكيميائية مثل النيتريك والكبريتيك.
ويضيف رسلان هناك أيضا قسم النتردة الذي يحتوي علي مواد سامة مثل السيانيد وبعض الأملاح التي تستخدم في عملية سقية الاسطمبات وارتفاع معدل الصلادة في المعدن وتؤثر هذ المواد علي الصدر والبصر نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير جدا تصيب العمال بما يسمي بالوهج.
ومن الأقسام الأشد خطورة أيضا قسم المكابس ويتعرض العمال فيه لدرجات حرارة تصل إلي 550 درجة مئوية أثناء عمليات الكبس مما يعرضهم للعديد من الأمراض نتيجة استخدام الشحومات المختلفة ونتيجة تقطيع الألومنيوم في هذا القسم بالمناشير مما يصيب العمال بالصمم والجروح المختلفة وإصابات العمود الفقري بسبب بعض الأحمال الثقيلة
ويتعرض العمال أيضا إلي غبار البودرة أثناء عملية رش المعدن مما يؤدي إلي إصابتهم بالتحجر الرئوي.
وأشار رسلان إلي وجود قسم خطير جدا يتعرض لجميع الأمراض والمخاطر السابقة نتيجة اختلاطه بجميع الأقسام كما أن 90% من الحالات المرضية تكون من داخله وهو قسم الصيانة والكهرباء. كما أكد أن نسبة الإصابة بالأمراض المهنية داخل المصنع تتراوح ما بين 10% و15% من إجمالي عدد العمال البالغ 780 عاملاً
وبالإضافة لكل هذه المخاطر فإن هناك خطراً مشتركاً بين كل الأقسام وهو التعرض لدرجات الحرارة العالية والاشعاعات الخارجة من النار والتي تسبب أمراضاً عديدة أهمها الرمد.
يقول رسلان: علي الرغم من وجود كل هذه المخاطر إلا أن وسائل السلامة والصحة المهنية غير موجودة في بعض هذه الأقسام حتي الأقسام المتوافر فيها غالبا ما تكون وسائل بدائية كما أن التفتيش والرقابة شبه منعدمة سواء من إدارة المصنع أو من وزارة القوي العاملة وغالبا إذا تمت تتم بشكل روتيني علي الورق كما أن الكشف الدوري يتم بطريقة غير دقيقة وبالجملة.
وأكد عبدالله صديق، رئيس اللجنة النقابية بالشركة أن العمال يتعرضون أيضا للعديد من الأمراض الخطيرة مثل فقدان الذاكرة والارتجاف الحاد وتليف الكلي وذلك نتيجة ارتفاع تركيز مركب الأيدروفويك المعروف بقدرته ونشاطه في التفاعل مع السليكات بالإضافة إلي أنهم معرضون لتليف عضلة القلب والتوتر العصبي بصفة مستمرة نتيجة ارتفاع الكهرباء ونتيجة استخدام الفصل الكهربائي العالي لمادة البوكسيت والذي ينشأ عنه مجال مغناطيسي 200جاوس وهو ما يسبب أيضا أمراضاً مثل العجز الجنسي التام أو الجزئي وفقدان السمع أيضا.
هذا وأكد د. عاطف جمال، أستاذ ورئيس قسم الحراريات بالمركز القومي للبحوث، أن البطانات التي تستخدم في الأفران الموجودة بمصانع الحديد والصلب وغيرها من الصناعات المعدنية المختلفة يستخدم فيها مادة خطيرة جدا تسمي ماجنيزيت عبارة عن ماجنزيوم أوكسيد ويتم خلطها مع رخام الكبروفيت عند تصنيع الطوب المبطن لهذه الأفران وهي غنية أيضا بأوكسيد الكروم وهذا الأوكسيد ثلاثي مع ارتفاع درجة الحرارة يتحول إلي أوكسيد سداسي يؤدي إلي تسمم الهواء وبالتالي تسمم العمال