امنيم عضو محد يحجي وياه
عدد المساهمات : 898 معدل المستوى للعضو : 1536 تاريخ التسجيل : 12/05/2009 العمر : 34 الموقع : eminemmlk_alrab@yahoo.com
| موضوع: روزا ياسين تروي عذاب النساء في السجن الأحد 31 مايو - 19:51 | |
| يتضح في هذه الرواية أن العالم البايولوجي للمرأة يشارك في صنع مأساة إضافية لعالم السجن، من حيث ولادة بعضهن داخل السجن أو دخوله خلال الحمل أو معاناتهن أثناء الحيض.. وما إلى ذلك مما يشترط معه الحرية ولاشيء غير الحرية.
في هذه الرواية يبدو كل شيء ليس ضد المرأة فحسب، بل ضد الإنسان بمطلق الصفة. لكن هذه الضدية تتخذ لدى المرأة صيغة مشددة: لنتصور أن امرأة ما ولدت داخل السجن، ويتوجب عليها تربية وليدها داخله، دون أن ننسى أن هذا السجن عربي وخاص بالسياسيات! ثمة نساء في "نيغاتيف" حدث لهن هذا! لكن المفارق أن قوة الحياة تظل أكبر من عسف الطغاة: تكبر الطفلة وتعيش هي الأخرى سجينة مع أمها إلى أن يطمئن الطاغية أن لا شيء سيحدث ضده وليس من أحد قادر على انتزاع سلطته منه.. فيفرج عنهن وتخرج الطفلة طفلة، بكامل طفولتها، إلا تصدعات نفسية امتدت حتى نقي العظام وخلايا الدماغ ونهايات الأعصاب.
تتضمن الرواية فصلاً بعنوان "أمهات في المعتقل" ومنه نقتطف (بقليل من التصرف):
"أنجبت رنا.م في 7 تشرين الأول 1988 في سجن النساء ابنتها ماريا.
أتى رنا المخاض أول الليل، بعد أن أغلقوا أبواب المهاجع. بدأ كعادة أي طلق بمغصات متباعدة، وبألم محمول. لكن "مية الراس" راحت تسيل منذ أول المخاض.
صارت المعتقلات يضربن على الأبواب محاولات إيصال أصواتهن إلى السجانات البعيدات، لكن أحداً لم يستجب.
مع مرور الوقت راح الطلق يشتد، ورنا مرمية على الفرشة في أقصى المهجع. السائل الأمنوسي يسيل باستمرار وصرخات الألم تزداد توتراً وقوة مع مرور الليل.
لكن أحداً لم يرد على صيحات الاستغاثة.
الساعات تمرّ، والصرخات العديدة، المطالبة بإسعاف رنا، تتصاعد وتقوى.
لم يعرهن أحد اهتماماً حتى راحت الصيحات تتصاعد من مهاجع القضائيات (السجينات لأسباب غير سياسية- الدارس) المجاورة مطالبات بإسعاف رنا. حين راحت المهاجع كلها تطالب بحضور الإسعاف، وفي الساعة الثالثة والنصف فجراً دخلت سجانة هزيلة، لم تستطع تحمّل كل هذا الصياح المستنجد، إلى مهجع السياسيات، حيث كانت رنا.م توشك على الولادة. أخذتها وحدها إلى المستشفى، وقد راح وضعها يغدو مقلقاً لرفيقاتها ومرعباً للسجينات البعيدات.
غابت رنا ساعات، كانت المعتقلات فيها في وضع لا يحسدن عليه. وفي الصباح عادت وهي تحمل صغيرة على يديها. لتنطلق الزغاريد في كل المهاجع، وفي الباحة المليئة بأكثر من 200 سجينة قضائية وسياسية. مجيء تلك الصغيرة غدا عرساً حقيقياً في سجن النساء.
أتت الطفلة ماريا كشعاع مشرق اقتحم سجن النساء. واستطاعت، خلال أيام، أن تخرج كل ذلك القهر المتراكم من دواخل المعتقلات، حتى أن القضائيات احتفلن على طريقتهن الخاصة بمجيء الصغيرة الجديدة التي أتت بعينين مفتوحتين على سعتهما، تحاولان اكتشاف كل ما يحيط بها من غموض.
أعطيت زاوية مهجع السياسيات لرنا ورضيعتها، على فرشتين متلاصقتين، لتبقيا في تلك الزاوية طيلة الوقت الذي قضته ماريا الصغيرة مع أمها في المعتقل، أي ما يقرب من 11 شهراً. بعد ذلك خرجت ماريا، لتبقى أمها حوالي السنتين والنصف في سجن النساء قبل أن يطلق سراحها".
أما النص التي تقول الرواية أنه توثيقي فيبدو من خلال ما تقوله أن ثمة أوراقاً استطاعت السجينات أن يخرجنها معهن من السجن وهذا مقطع منه:
بمناسبة الولادة كُتبت افتتاحية مجلة: الجرح المكابر (وهي مجلة كانت المعتقلات الشيوعيات يكتبنها ويوزعنها على السجينات بشكل سري) عن ولادة ماريا:
وهذه مقتطفات مما جاء في الافتتاحية المنشورة كما كتبت تماماً، أي كتابة توثيقية:
"لك هذه الورود يا ماريا:
ماذا يمكننا أن نقول؟! أنقول غمرتنا زقزقة العصافير، رائحة الياسمين، أسراب السنونو التي تبشر بالربيع، فسحة سماء تطل منها شمس المستقبل؟.
أم نقول، لقد طالنا الحقد الأعمى، الأيدي السوداء التي لا تفرق بين الطفل وحجر الصوان.
غمرنا شعور بالقهر والتحدي، شعور بالحزن والمرارة.
كل ذلك مجتمعاً قد حصل، جمعت كل تلك المعاني في لحظة من الزمن واحدة.
...
شكراً..
شكراً لك يا ماريا على لحظات فرح ومشاعر حب لبذرة نتجمع حولها، نسقيها ونرعاها، نعلمها ونتعلم منها.
لنقل لها: آه يا ماريا كم تحتاجين، وكم نحتاج، وكم يحتاج المستقبل كي يزهر إلى الحرية.
...
.. الحرية حلم ومناخ وصليب نحمله على ظهرنا ونمضي.
"سجن النساء".
رواية شديدة التأثير على المستوى الإنساني.. وربما يخرج القارئ بعد الانتهاء من القراءة أشد نقمة على النظام السياسي العربي الذي بنى نظامه وطغيانه وثرواته على أجساد مواطنيه.
عالم السجن هذا بكل رعبه وواقعيته الفجة لن يجعلنا نظن أن الرواية نأت عن الأدب ومجازاته ولغته وانحرافات هذه اللغة وتعددها في محلات كثيرة، حتى لتبدو معها أن صفة توثيقية مجرد حيلة لضرورة الفن واستجابة لندائه. | |
|
الوردة البيضاء عضو راح ينفجر
عدد المساهمات : 1495 معدل المستوى للعضو : 1761 تاريخ التسجيل : 11/05/2009
بطاقة الشخصية نتمنى لكم اسعد الاوقات: 25
| موضوع: رد: روزا ياسين تروي عذاب النساء في السجن الإثنين 1 يونيو - 14:03 | |
| | |
|